الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافًا مُضاعَفَةً} يريد ما تضاعف منه شيئا بعد شيء. قال ابن عيينة: هو أن تقول: أنظرني وأزيدك.وقوله: {جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ} يريد سعتها، ولم يرد العرض الذي هو خلاف الطول. والعرب تقول: بلاد عريضة، أي واسعة وفي الأرض العريضة مذهب. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم للمنهزمين يوم أحد: «لقد ذهبتم بها عريضة».وقال الشاعر:
حابل وأصل هذا من العرض الذي هو خلاف الطول. وإذا عرض الشيء اتسع، وإذا لم يعرض ضاق ودقّ.{وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ}: الصابرين. وأصل الكظم والصبر: حس الغيظ.{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا} أي لم يقيموا عليه.{وَلا تَهِنُوا} أي لا تضعفوا. وهو من الوهن.و{القرح}: الجراح. والقرح أيضا. وقد قرئ بهما جميعا. ويقال: القرح- بالضم-: ألم الجراح.{وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُوا} أي يختبرهم. والتمحيص: الابتلاء والاختبار. قال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر: يريد الاختبار.{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} أي رأيتم أسبابه. يعني السيف والسلاح.{انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ} أي كفرتم. ويقال لمن كان على شيء ثم رجع عنه: قد انقلب على عقبه. وأصل هذا أرجعه القهقري. ومنه قيل للكافر بعد إسلامه: مرتد.{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} أي كثير من نبي.{قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} أي جماعات كثيرة. ويقال: الألوف. وأصله من الربّة. وهي الجماعة. يقال للجمع: ربّي كأنه نسب إلى الربّة. ثم يجمع ربّي بالواو والنون. فيقال: ربّيون.{فما وهنوا} أي ضعفوا.{وما استكانوا} ما خشعوا وذلّوا. ومنه أخذ المستكين.{ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا} أي حجة.{إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} أي تستأصلونهم بالقتل. يقال: سنة حسوس: إذا أتت على كل شيء. وجراد محسوس: إذا قتله البرد.{إِذْ تُصْعِدُونَ} أي تبعدون في الهزيمة. يقال: أصعد في الأرض إذا أمعن في الذهاب. وصعد الجبل والسطح.{فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} أي جازاكم غما مع غم. أو غما متصلا بغم.والغم الأول: الجراح والقتل. والغم الثاني: أنهم سمعوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلم قد قتل، فأنساهم الغمّ الأول.و(الأمنة): الأمن. يقال: وقعت الأمنة في الأرض. ومنه يقال: أعطيته أمانا. أي عهدا يأمن به.{فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} أي قصور عالية. والبروج: الحصون.{اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ} طلب زللهم. كما يقال: استعجلت فلانا. أي طلبت عجلته، واستعملته أي طلبت عمله.{ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} تباعدوا.و{غزّى} جمع غاز. مثل صائم وصوّم. ونائم ونوّم. وعاف وعفّى.{فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ الله} أي فبرحمة. وما زائدة.{لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} أي تفرقوا.{وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي يخون في الغنائم.{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ} معناه.قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة على عنقه شاة لها ثغاء، لا أعرفن كذا، لا أعرفن كذا، فيقول: يا محمد. فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت».يريد: أن من غل شاة أو بقرة أو ثوبا أو غير ذلك، أتى به يوم القيامة يحمله.ومن قرأ يغل أراد يخان. ويجوز أن يكون يلفى خائنا. يقال: أغللت فلانا، أي وجدته غالا. كما يقال: أحمقه وجدته أحمق. وأحمدته وجدته محمودا.وقال الفرّاء: من قرأه يغلّ أراد: يخوّن. ولو كان المراد هذا المعنى لقيل يغلّل. كما يقال: يفسّق ويخون ويفجر.{هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ الله} أي هم طبقات في الفضل. فبعضهم أرفع من بعض.{أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها} يقول: أصابتكم مصيبة يوم أحد قد أصبتم مثليها من المشركين يوم بدر.{قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي بمخالفتكم وذنوبكم. يريد مخالفة الرّماة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد.{قاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادْفَعُوا} يقول: كثروا فإنكم إذا كثّرتم دفعتم القوم بكثرتكم.{فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} أي ادفعوه. يقال: درأ الله عنك الشرك، أي دفعه.{إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ} أي يخوفكم بأوليائه كما قال: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} [سورة الكهف آية: 2] أي لينذركم ببأس شديد.{نُمْلِي لَهُمْ} أي نطيل لهم. يعني الإمهال والنّظرة. ومنه قوله: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [سورة مريم آية: 46].{حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} يقول: حتى يخلّص المؤمنين من الكفار.{سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} أي يلزم أعناقهم إثمه.ويقال: هي الزكاة يأتي مانعها يوم القيامة قد طوّق شجاعا أقرع يقول: أنا الزكاة.{لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ} قال رجل من اليهود حين نزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا} [سورة البقرة آية: 245، وسورة الحديد آية: 11] إنما يستقرض الفقير من الغني، والله الغني، فكيف يستقرض؟ فأنزل الله هذه الآية.{زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} أي نحّي عنها وأبعد.{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} أي لتختبرنّ. ويقال: لتصابنّ. والمعنيان متقاربان.{بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ} أي بمنجاة، ومنه يقال: فاز فلان، أي نجا.{لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} أي تصرّفهم في التجارات، وإصابتهم الأموال.{وَلَبِئْسَ الْمِهادُ} أي بئس الفراش والقرار.{نُزُلًا مِنْ عِنْدِ الله} أي ثوابا ورزقا.{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا} أي صابروا عدوّكم.{وَرابِطُوا} في سبيل الله. وأصل المرابطة الرباط: أن يربط هؤلاء خيولهم، ويربط هؤلاء خيلوهم في الثغر. كلّ يعدّ لصاحبه. وسمي المقام بالثغور رباطا.{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي تفوزون ببقاء الأبد. وأصل الفلاح: البقاء.وقد بيناه فيما تقدم. اهـ.
|